السبت، 11 مارس 2017
الجمعة، 6 يناير 2017
الخديعة الكبرى وطوق النجاة
سلسلة
: طريق النجاة
أهدي هذا العمل إلى الضالين عسى أن يهتدوا وإلى
الغافلين عسى أن يفيقوا وإلى المؤمنين ليزدادوا إيمانا ، إنه كتاب فريد يأخذك إلى
الجنة فعجل بدراسته وتفعيله قبل فوات الأوان .
الخديعة
الكبرى
وطوق النجاة
تأليف الدكتور / حسين رضوان سليمان عبيد اللبيدي
انتبه : ينتظرك في مقام الإحسان كشف سر المعية
التي حيرت البرية
مقدمة مهمة
إن ما تعاني منه البشرية من جرائم ومصائب
وإنهيار يهددها بالهلاك المحتم فبسبب من غفلتها عن التواصل مع ربها الرحمن الرحيم وغفلتها
عن التعرف علي صفات كماله ، وفي نفس الوقت ما تعاني منه خير أمة أخرجت للناس من إنهيار
وخراب وذل فبسبب إنسلاخها عن طوق نجاتها المتمثل في وحي ربها العالمي الخالد المحفوظ
الهدي والرحمة ، وإستبداله بالتشريعات العلمانية التي وضعها الشرق والغرب ليدير حياته
بعيدا عن حكم كهنة مجرمين إستخدموا نصوص محرفة للوصول (بأسم المقدس) إلى سلطة زمنية
فاسدة ومجرمة ومظلمة ، فقد حكم كهنة الكنيسة علي العلماء بالإعدام وعطلوا حركة العلم
(بتهمة مخالفة العلم للنصوص المحرفة) وأوهموا البشرية بأنهم وسطاء الرب فباعوا لهم
صكوك الغفران وقادوهم إلى حروب صليبية ظالمة ومجرمة ، وعندما لم يجد عقلاء الشرق والغرب
من قادة الحضارة ، لم يجدوا نجاة من هذه الكارثة الكهنوتية إلا بفصل الدين عن الدنيا
، فوضعوا تشريعات علمانية (ليبرالية) تدير حركة حياتهم بعيدا عن إدارة الكهنة الجهلاء
بنصوصهم المحرفة ، وهم الآن يكتشفون عيوب التشريعات العلمانية التي تقود العالم إلى
الإنهيار ويبحثون عن طوق النجاة الذي لن يجدوه إلا في دين الإسلام العالمي الخالد ،الذي
(يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ) والذي يرفع
من شأن العلم والعلماء ، والذي قاد العالم قرابة الألف عام فنشر التوحيد والعلم والحق
والعدل والحرية الطاهرة ، ولقد تآمر عليه الحاقدون من قادة الحضارة العالمية بأتهامه بأنه مصدر الإرهاب في محاولة جر الكون بعيدا
عنه بل وقيادة حرب عالمية ضده ، ليسقط العالم كله تحت إدارتهم العلمانية الملحدة المجرمة
الجشعة التي تدعو إلى الربا والتطفيف الذي تمخض عن قلة قليلة من البشر يملكون ما يفوق
حاجاتهم كثيرا بينما أغلبية إخوتهم من بني آدم (علي مستوي الأرض كلها) تحت خط الفقر
يهلكهم الفقر والمرض ، وتمخضت (اللبرالية العلمانية) عن انتشار الزنا واللواط والمخدرات
والمسكرات وأكل النجاسات فانتشر طاعون الأيدز وأمراض الفواحش والخمور وظهرت أمراض مدمرة
كجنون البقر والبشر وانفلونزا الخنازير التي تهدد البشرية بالإبادة ، وأصيبت النفس
البشرية بالإكتآب الذي يقود إلى الإنتحار بسبب إنسلاخها عن التواصل مع ملاذها الآمن
وسندها الصمد القادر علي كل شىء ، وأيضا أصيبت النفس في الحضارة الملحدة بالتوحش بسبب
إنكارها للرقيب الحسيب ويوم الحساب ، فعلى عقلاء البشرية من قادة الحضارة العالمية
أن يدعوا العالم إلى الكف عن محاولة تدمير طوق النجاة الوحيد للبشرية المتمثل في دين
الله الخالد ، بل عليهم أن يفروا إلى الله متمسكين بدينه ( الإسلام ) طوق النجاة العالمي
الوحيد .
ولا نجاة للأمة إلا بالرجوع إلي دين ربها العالمي
دين الحق والعلم والعدل والحرية الطاهرة ، ولأن الأمة مكلفة بالتبشير بدين الله
(الإسلام) الذي يشكل طوق النجاة الوحيد للحضارة العالمية المهددة ، ولا يتحقق ذلك
إلا بأن تقدم الأمة موحدة واقع عملي يظهر صدق الرسالة وصدق الرسول ويبين عمليا أن
في الإسلام طوق النجاة للحضارة العالمية المهددة بالإنهيار النفسي والأمني والخلقي
والاقتصادي والصحي وغير ذلك ، ولا حل إلا بأن تقود الأمة الإسلامية بدينها العالمي
، تقود الحضارة العالمية إلى بر الأمان ، ولكن يعطل ذلك الأمل الغالي مرض
أصاب الأمة المبشرة وهو :
مرض فقد الهوية الربانية المتمثله في دين الله (الإسلام) ، وترتب على
ذلك أن هناك ملايين من المسلمين لا يعلمون يقينا الدليل على أن محمدا عليه السلام
رسول الله للكون كله بلا بديل ، ولا يعلمون يقينا لماذا القرآن الكريم كلام الله ،
ولماذا هو كتاب الله الوحيد الخالد المحفوظ ليدين به المكلفون الي يوم الدين ، ولا
يعلمون يقينا لماذا يشكل الإسلام وحده طوق النجاة للحضارة العالمية بلا منافس أو
بديل .
وهذه
كارثة ترتب عليها إنسلاخ ملايين من أعلام الأمة ومثقفيها عن دين ربهم العالمي
وترتب على ذلك تفرق الأمة وتخلفها وضعفها وذلها مما شجح لصوص الحضارة على التخطيط
للإنقضاض على الأمة وإغتصاب مقدراتها بالمجان من خلال الحرب الرابعة التي
أخترعتها الشياطين والتي تعمل على إدارة صراع مدمر بين أبعاض الأمة المقطعة
الأوصال والمتعادية بفعل مذاهب وافكار من وحي الشيطان ما أنزل الله بها من سلطان ،
فهذا قومي وهذا لبرالي ، وهذا علماني وفارسي وصوفي وشيعي وعلوي ، ولا نجاة للأمة إلا
بالرجوع إلى طوق نجاتها وقبلة وحدتها في رضى ربها القدير ، وذلك ميسر لتلك الأمة
المبشرة والموعودة ، لأن ربها واحد قادر على كل شىء ، ودينها واحد الدين العالمي
الخالد ، وكتابها واحد الوحي المعجز المحفوظ ، وقبلتها واحدة ، والحق ظاهر ، والعدو
واضح ، فما المشكلة التي تدفع الأمة الى الهاوية وقد وحدها ورفع من قدرها
الإسلام فسادت به العالم وحكمته قرابة الألف عام فنشرت به العلم والحق والعدل
وعلمت البشرية الحرية في العبودية لله وحده لا شريك له .
والأمة
الآن محتاجة إلى حملة تطعيم فكرية تشكل فرض عين لكل قادر عليها بالفكر أو بالمال
أو بالجهد في الدعوة من خلال وسائل التواصل الحديثة ، حملة تطعيم توحد الأمة من
الداخل وتنصرها في الخارج ، توحدها من الداخل بأن تذكرها بخالقها وصفات كماله
وفضله على الأمة بما من عليها من نعم وبما رفع من قدرها بأنزال وحيه العالمي
الخالد لتحمله كطوق نجاة للبشرية كلها ، وأيضا تبين للأمة دلائل اليقين في صدق
الرسالة وصدق الرسول وعالمية الإسلام ، ومن
خلال الدعوة العالمية الراقية التي تبين يقينا لقادة الحضارة العالمية معجزة
الإسلام وأن فيه طوق النجاة الوحيد للعالم المهدد بالدمار ، فإن عقلاء الكون من
قادة الحضارة أن لم يعتنقوا الإسلام فأنهم سيحترمونه ويدافعون عنه ، وفي ذلك دعما
عالميا وعمقا استراتيجيا للأمة المهددة .
ولأن
الإسلام قوي بحجته العقلية والعلمية ويقينه العملي ، ولأن العالم اصبح من خلال
وسائل الإتصال والإعلام كالقرية الواحد أو ربما كغرفة واحدة ، ولأن كثيرا من قادة
الحضارة العالمية يحترمون الفكر والعلم وينفرون من التعصب والعصبية والعنف ، وبناء
على ذلك فإن الجهاد الفكري يمكن أن يحقق ما لا تحققه أقوى الجيوش ، فحي على
الجهاد الفكري بعلمه ويقينه وحقه والله ناصر دينه وهادي خلقه .
وهاهي
أدوات وعناصر حملة التطعيم ليحملها المجاهدون بالفكر والحوار العلمي وبكل الوسائل
وبلا توقف أو فتور ، وبعيدا عن العنف والتعصب والعصبية والله غالب على أمره ولا
حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين .
وهذا العمل خلاصة عمر وهدية حب أقدمه
بحسن نية لأحبائي في الله وإخوتي في الإنسانية وهو قربانا لله منبع الفضل والمنن خالق
كل شيء ورازق كل شيء والقيوم علي كل شيء وكل شيء هالك إلا وجهه .
وهو
مبني على أربعة أركان هي :
1-
تمهيد
هام .
2-
تحقيق
مقام الإيمان من خلال : اسئلة وأجوبة في الطريق الى اليقين .
3-
مقام
الإحسان وفيه كشف سر المعية التي حيرت البرية .
4-
جداول
لأمثلة تبين صدق الرسالة وصدق الرسول وعالمية الإسلام .
قيامن يصلك هذا العمل وصله
للطلبة إن كنت أستاذا أو إلى الجمهور إن كنت إماما أو داعيا ، أو إلى من تحت امرتك
ان كنت مديرا أو صاحب عمل ، أو للمشاهدين ان كنت تعمل بالإعلام أو الصحافة ، أو أنشره
باستمرار على النت أو أطبع منه أو وصله لمن يطبعه ، (وهو مبذول في سبيل الله ) وذكر
به بلا كلل أو ملل وبكل الوسائل وبأستمرار ولك أجر مجاهد ولا تؤجل فالموت يأتي بغتة وسنسأل ، ولا تنسانا
بالدعاء ولا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين
.
وهذا العمل بداية سلسلة حصاد ثلاثون
عاما من الدعوة والإعجاز العلمي للوحي العالمي الخالد ، وهو عمل غير مسبوق ينقل
الفكر الإسلامي إلى مواقع النجوم وبه
تستكمل الحضارة العالمية المادية روحها المفقودة .
ملحوظة : لقد جعلنا لهذا الكتيب cd
مكمل فيه الملفات التفصيلية والمقاطع الفلمية المهمة
تمهيد هام
الخديعة الكبري وطوق النجاة
إعلم انك مخلوق حر الإرادة ومكلف ( مخير
) بعبادة من خلقك وسواك ورزقك وحفظك ، وسخر لك ما لا يعد من النعم وكرمك بأن جعلك في
الأرض خليفة لتعمر الأرض بطاعة الله ، وأركان ذلك التكليف هي العقل والهوى والوحي ،
والآيات ( المانعة للجهالة والقاطعة للأعذار ) والإرادة الحرة ، والفتنة ( الاختبار
) ثم الحساب والعقاب . واعلم أنك لا تستطيع أن تهرب من التكليف أو أن يكون لك فيه عذر
، فأنت متواصل مع وحي الخلاق من البداية إلي النهاية ، ومحاط بآيات مانعة للجهالة قاطعة
للأعذار في نفسك وفي الكون من حولك ، آيات تقول لك إن للكون خلاقا له صفات الكمال بيده
ملكوت كل شيء وكل شيء هالك إلا وجهه ، وهو الواحد ( بلا شريك ) الذي له فضل خلق الوجود
من العدم والحياة من الموات والعقل من البكم وهو وحده قيوم السماوات والأرض الممسك
لها من الانفراط والزوال ، وهو وحده له الخلق والأمر ،وهو وحده ( لا شريك له ) رب كل
شيء ومليكه ، وليس لمخلوق على مخلوق فضل فالفضل كله لله ، فهو وحده المستحق للعبادة
.
فهل يترك الشيطان المكلفين في جنة التعبد لله ؟
إن الشيطان لن يترك المكلفين لتحقيق الهدف
الأسمى الذي من أجله خلقوا ، في أن يكونوا أحرارا فيما بينهم عبيدا للواحد القهار ،
بل سيحاول إخراجهم من جنة التوحيد إلى نار الشرك بالله .
ويستخدم الشيطان وسيلة الخداع الأول التي نجح بها في إخراج أبيهم آدم من الجنة ليسقط من جنة
الهناءة والخلود إلي أرض الفتن والشقاء والفناء
.
ومع أن آدم كان في الجنة في عالم القرب
والشهود ، ومع أنه كلف - من خالق كل شيء -
بتكليف سهل وفي طاقته ، وهو أن يأكل من كل الثمرات إلا نوعاً واحداً ، ومع سهولة
هذا التكليف فإنه نسي ووقع في الخديعة ( وهذا قدر الله لتكون بداية لقضية حمل الأمانة
في دنيا التكليف ) ولنستكمل القصة من خلال عرضها في سورة الأعراف 20:
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ
لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا
عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ
(20)
وفي سورة طه 120 ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ
عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)
وسر هذه الخديعة الخطرة هو أن الشيطان
أراد أن يستخدم هوى النفس البشرية في حب الخلود في النعيم حتى تسقط – من خلال هذا الهوى
– في المعصية ، ثم يستدرجها بعد ذلك إلى الشرك الخفي والشرك الخفي الذي أراد الشيطان
أن يوقع آدم فيه هو : أن يعتقد آدم أن شجرة مخلوقة لله ( لا حول لها ولا قوة وهالكة
في ذاتها ) تمنح بخصائصها الذاتية الخلد والملك الذي لا يبلى ، والمانح الحقيقي لكل
ذلك هو خالق كل شيء والمهيمن على كل شيء
ولم يكن مقصد آدم الشرك ، بل تعرض لعملية
إغواء بالخلود في جمال الحضرة الذي لا يريد أن يفارقه حبا وطمعا ، وهذا الإغراء حرك
خاصية ألهوى التي تغطي على العقل ، فيندفع المغرر به في ارتكاب معصية وهو في غفلة الغرور
، والغافل المشرك يستمر في التعلق الباطل بغير الله،والمؤمن يتذكر فيعود نادما كما
حدث من آدم عليه السلام ((قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ
لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) ودليل قبول الله للتوبــــة
(( فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ )) (37)
ولو انتبه المكلف إلي خديعة الهوى والشيطان ، وتاب
وأناب وعبد الله حق عبادته لتحقق أمله في الخلد والملك الذي لا يبلي في جنة الرضا.
ومازال الشيطان يوسوس لمليارات المكلفين
ليغريهم بشجرة الخلد والملك الذي لا يبلي ، والتي قد تتمثل – للغافلين - في جاه أو سلطان أو في قوة من قوى الكون المخلوقة
لله ، أو ( في شخص مدع الألوهية أو الولاية ) أو في دولة كافرة مستكبرة في الأرض بغير
حق ، أو في مجرم ظالم خائن لربه ، أو نظام
حياة بعيد عن شرع الله ، أو تشريعات بشرية مخالفة لشرع الله ، أو هوى ضال ، وكلها بدائل
شيطانية لشجرة الشرك الأولي ( وكل ذلك من ضمن الفتن في دنيا التكليف ). فرمز الأكل من الشجرة المحرمة يشير إلي كل مخالفة
لأوامر الله ونواهيه ، وهي في حد ذاتها معصية ، يمكن للشيطان أن يصعدها إلي مرتبة الشرك
، وذلك عندما يستدرج الشيطان المكلف للاعتقاد بأن شجرة المعصية تمنح ( بخصائصها الذاتية
) الخلد والملك الذي لا يبلي ، ولنضرب لذالك عدة أمثلة عملية :
المثال الأول : لو أن شخصاً مكلفاً أقبل على جمع المال
في معصية الله أو إغتصب حقوق البشر فتلك معصية ، ولكن لو اعتقد أن ذلك المال أو الجاه
أو السلطان الذي اغتصبه في معصية الله سيكون له - بخصائصه الذاتية - شجرة الخلد والملك
الذي لا يبلي فهذا شرك بالله الذي بيده ملكوت كل شيء والمهيمن على كل شيء والذي كل
شيء هالك إلا وجهه .
المثال الثاني : لو اعتقد مكلف (جازما) أن في اللوذ
بحمى كائن ما كان (وفي غضب الله) سيكون له بمثابة شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى فإن
ذلك الشخص سيكون قد أشرك بربه .
والعاصم من كل ذلك هو الإيمان بالغيب
الذي يعني يقين العقل (القلب) بأن للكون إلها له صفات الكمال قادراً على كل شيء له
وحده الملك والملكوت والخلق والأمر ، وكل ما عداه سبحانه عدم على التفصيل والإجمال
يكتسب وجوده بقيومية كن ، وهو في وجوده في قبضة خالقة يسيره كيف يشاء ، فلا شيء مخلوق
لله يملك بذاته النفع والضر والموت والحياة أو أي شيء فالأمر كله لله وحده لا شريك
له ، وحتى نصل إلي اليقين في كل ذلك نحتاج إلى رحلة علمية نرحل فيها علي مدارج السالكين
في آيات كون يحيط بنا وفي أنفسنا لنطل في نهاية الرحلة إلي الغيب وكأننا نراه فنؤمن
( نوقن ) .
وفي
طريق تلك الرحلة الفكرية الراقية يمر العقل بمقام الإيمان ثم يمكنه أن يترق منه –
بفضل الله – إلى مقام الإحسان ، فهيا بنا نرحل من الأكوان إلى المكون مستصحبين
الوحي الخالد المحفوظ .
مقام
الإيمان
أسئلة وأجوبة
في الطريق إلي اليقين
المقصود باليقين هنا هو : الإيمان بالغيب ، والمقصود بالغيب الله سبحانه
وصفات كماله ، ومن صفات كماله التقدير المحكم والحكمة البالغة حد الكمال ، ومن
صفات كماله الرسل والرسالات ويوم الحساب ، ومن الإيمان بالغيب اليقين في أن كل ما
قضاه وقدره العليم الحكيم حق حتى ولو قصرت العقول عن إدراك الحكمة فيه .
سؤال : هل توقن بأن من وراء اي
صنعة صانعا حتي ولو كانت دبوسا صغيرا وأن ذلك الصانع لا بد وأن يكون عنده علم وحكمة
، وانه يقصد من وراء صنعته الي هدف وغاية ؟
يقينا ستكون الإجابة : نعم فلكل صنعة صانع وكل ما كان للصنعة صفات الكمال
فلصانعها صفات الكمال ، وان الصانع حتما يهدف من وراء صنعته إلى هدف وغاية تتحقق بها
.
سؤال : اذن بماذا توقن عندما تري
كونا يحيط بك وفي نفسك تتجلي فيه صفات العظمة والكمال ؟
يقينا ستكون الإجابة : أوقن بأن من فوق ذلك الكون خلاق له صفات الكمال
، وأن الخلاق لم يخلق ذلك الكون عبثا أو باطلا بل خلقه لهدف غايته الكمال .
والــكون ينقسم الي قسمين : قسم مســير ، وقسم مخـــير
(مكلف) والقسم المسير خلق للتسبيح والسجود وليكون آيات للقسم المخير ، والقسم المكلف
(المخير) خلق لعبادة الله طوعا . وكما جاء في سورة البقرة 164: (( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ
النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ
الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
وفي سورة آل عمران 189-191 : (( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
(190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
ومعنى هذه الآيات البينات : أن أولي القلوب السليمة عندما يتفكرون في آيات الكون من حولهم يوقنون
بأن لذلك الكون العظيم خلاق له صفات الكمال ، وعندما يتفكرون في ما أنعم الله
عليهم من نعم لا تحصى يزدادون حبا لله وخوفا من عقابه لأنهم أيقنوا أن الله لم
يخلق هذا باطلا بل خلقه بالحق ، والحق والعدل يقتضي يوم للحساب يكرم فيه المؤمنون
الصالحون الطيبون ، ويعاقب فيه الكافرون المجرمون المفسدون في الأرض .
سؤال : هل
هناك مبرر يكون حجة للمنكرين لوجود الله ؟
لا
يوجد مبرر بأي شكل ، لأن أكبر علماء الفيزياء حتى الذين يعلنون الكفر يقرون بأن الكون كله مرتبط
بالعدم فهو مــن البداية خرج من العــدم (اللاشيء) واليه يعود، وأطواره مسبوقة بالعدم
بل هو في وجوده العملي مكافئ للعدم ( ولقد شرحنا ذلك بتوسع في كتاب فلسفة العدم
وكتاب الكفر المستحيل ) ، ولأن من يقين العقل أن العدم لا يعطي وجود لأن فاقد الشيء
لا يعطيه، ولأننا نشاهد أن من ذلك العدم تخرج سلاسل العلل والمعلولات في خطة محكمة
ذات تصميم عظيم يتحقق منها هدف غايته الكمال، فأن العقل حتما سيوقن بوجوب وجود خلاق
له صفات الكمال، ليس كمثله شيء، واجب الوجود بذاته (أول ليس قبله شيء).
ومن المستحيل أن ينكر العقل وجود المصدر (الأول)
الذي خلق كل شيء من العدم، والذي لولاه ما كان أي شيء بما فيه ذلك العقل المجادل.
وفي [سورة الطور: 35 – 36]يقول الحق :
((أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ
(35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)
وفي هذه الآيات البينات يحاور الحق من يكفر به فيقول: انظروا في وجودكم ووجود السماوات والأرض من حولكم وكلها حوادث خلقت من العدم بدأت بخلق السماوات والأرض ثم خلق البشر، فلا يعقل
أن يخرج شيء من اللاشيء، ولا يمكن أن يكون الإنسان – وهو أرقي ما في الأرض – قد خلق نفسه لأن من المستحيل أن يخلق الإنسان نفسه
قبل أن يُخلق، وأيضا من المستحيل أن يَخلق الإنسان السماوات والأرض لأنها مخلوقة قبل
أن يُخلق ومجهزة مسبقا لاستقباله على أكمل وجه، وهذا الحوار يستدرج العقل إلى اليقين
في وجود خلاق له صفات الكمال (أول ليس قبله شيء) خلق من العدم وجود ومن اللانظام نظام
يترقى إلى الكمال بظهور كون مرصع بالآيات البينات ومسخر لاستقبال الإنسان (الخليفة)
بعقله الراقي (القلب) مهبط الوحي والذي به يستطيع أن يقوم برحلة عقلية على سلم الأسباب
في آيات عالم الشهود ليطل إلى الغيب وكأنه يراه فيؤمن .
سؤال : هل هناك إله مع الله ؟
نسمع الحق يقول في سورة النمل 60-63 :
(( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ
ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ
بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا
أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ
مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ
إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ
اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ
مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)
ولم نسمع أحد رد وقال أنا إله مع الله ، إذن خلصت القضية لله الواحد
القهار وحده لا شريك له ( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
سؤال : هل توقن بأن
الصانع العليم الحكيم يتابع صنعته بالعناية والصيانة لتعمل على أكمل وجه ؟
نعم أوقن فهذه بديهة لا
شك فيها ، ولأن الصنع وحده الأعلم بما يصلح
صنعته لتعمل على أكمل وجع بلا خلل أو فطور : وهاهو الخلاق العظيم يدبر أمور ما خلق
من الذرة إلى المجرة ومن النطفة إلى الخلق الأخر بلا خلل أو فطور ، ولأن كل صانع
حكيم يرسل من وراء صنعته المهندسين والفنيين ومعهم الكاتالوج حتى تعمل الصنعة على أكمل
وجه ولا تتعرض للفشل أو التلف. وبناء علي ذلك فإن الخلاق العليم الحكيم عندما خلق
الإنسان ليكون خليفة في الأرض - ومكلفا بعبادة الله طوعا – فإنه سبحانه لم يتركه تائها
في دنيا التكليف بمغرياتها وفتنها وشياطينها ، بل جعل له آيات مانعة للجهالة قاطعة
للأعذار ، لقد جعل الرحمن آيات بينات تحيط بالعقل المكلف وفي نفسه تدل على وجوب وجود
خلاق له صفات الكمال ، وجعل له عقلا كونيا يمكنه أن يوقن بذلك ، ثم أنزل الوحي ليكون
برنامجا مكملا لبرنامج العقل المكلف يعلمه ويهديه ويوجهه ويشفيه ويحميه من اختراق فيروسات
الشياطين ، وبشيرا ونذيرا .
سؤال : لماذا يعتبراليقين
في رسل الله ووحيه الذي انزل عليهم شرطا للإيمان بالله ،أو بمعني آخر : لماذا إنكار
رسل الله ووحيه كفر بالله ؟
الإجابة : إن إنكار رسل الله فيه إنكار للوحي والرسالات
والدين على العموم ، وفي ذلك كفر ( تغطية ) لصفات الكمال للرحمن ، ومن صفات كمال الرحمن
انه قيوم وهادي لخلقه كما جاء في سورة طه 50: (( قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى
(49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ
فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51)
والوحي حق فلولاه ما نطق
آدم وذريته ، فلولا التكليم
لأدم ما تعلم آدم البيان ولنشأ كالقردة ولأصبحت ذريته كذلك ، لأن تعليم آدم البيان
انتقل عبر الأجيال إلي ذريته ، والبيان هو مظهر العقل الراقي ، بمعني أنه لولا
الوحي من البداية ما نشأ العقل ، واستمر الوحي يتابع العقل من خلال الرسل ليكون برنامجا مكملا للعقل
في دنيا التكليف بخيرها وشرها ، هاديا وشافيا ومبشرا ونذيرا ، ومن خلال الوحي تعرف
الخلق على صفات الكمال لخالقهم ، وتعلموا كيف يعبدوه عبادة يرضي بها عنهم ، وكيف يديرون
حياتهم على أكمل وجه من خلال دين الله ، ومن خلاله امنوا بالغيب وامنوا بالرسل ، كما
جاء في سورة الأنعام 91-92: (( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي
جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا
وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ
قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ
مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
(92)
وفي سورة البقرة 213: (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا
الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ
وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
والعقل يوقن بأن أي صانع عاقل حكيم يرسل من وراء
صنعته رسلا ( فنيين ومهندسين ) ومعهم الكتالوج حتى تعمل الصنعة على أكمل وجه ولا تتعرض
للعطل والخراب ، وأي صانع لا يفعل ذلك فهو من العابثين .
سؤال : ما الدليل اليقيني على أن
محمد عليه الصلاة والسلام رسول الله العالمي
الخاتم ؟
الإجابة : الدليل اليقيني على ان محمدا صلي الله عليه وسلم
رسول الله للبشرية كلها وإلى يوم الدين هو : اختصاصه بنزول الوحي العالمي الخاتم ،وحمله
لدين الله طوق النجاة العالمي الخالد الهدى والرحمة لكل المكلفين وإلى يوم الدين .
سؤال : ما الدليل علي
أن القرآن الكريم هو كتاب الله العالمي الخالد بلا بديل ؟
الدليل هو : الوحي الصادق مضمنا بالدليل علي صدقه ، ففي حفظه
وأسلوبه الطاهر ، وفي روحه القاهر وإعجازه الشامل وشفائه الناجح وصدقه الواضح دليل
علي ذلك ، إذا تعشق به القلب (العقل) استقام وعصم ، وإذا تركه زاغ وقصم ، فهو رجوم
الشياطين وهو المصباح المنير وهو حبل الله المتين ، وهذا ما يتصف به وحي الإسلام ،
وفي القرآن نص صريح بأن الإسلام هو دين الله العالمي الخالد ، وان رسول الإسلام هو
خاتم الأنبياء والمرسلين ، وما بقي من الفقرات المحفوظة للكتب المحرفة من بشارات تؤكد
أن محمدا عليه السلام النبي والرسول العالمي الخاتم .
* وقد تفرد القرآن الكريم ببرنامج عقلي عالمي يقود
كل العقول من الراعي البسيط إلي العالم المتخصص ، يقودهم في رحلات علمية في عالم الشهود
حتى إذا بلغ العقل بالوحي نهاية الرحلة أطل إلى الغيب وكأنه يراه ، فيؤمن بالله وكتبه
ورسله ويوقن بيوم الحساب .
* ودستور القرآن الكريم وتشريعه العالمي يحقق العدل
والتوازن بين الإنسان ونفسه والإنسان وأخيه الإنسان والإنسان والكون من حوله على مستوى
الأرض كلها .
* ويقدم القرآن إلي العقول المتخصصة رفيعة المستوي
يقدم إشارات علمية دقيقة تصف الكون من الذرة إلي المجرة ومن البداية إلي النهاية وصفا
يتطابق مع ما وصل إليه العلم من حقائق بعد نزول القرآن بأكثر من ألف عام ليوقن العقل
الباحث بصدق الرسالة وصدق الرسول وعالمية الإسلام .
وهذا أمثلة بذلك يقاس عليها
كل إشارات العلوم في الوحي الخالد المحفوظ :
• أولا مثال كوني : أيات
تشير الي بداية الخلق والزوجية
قال
تعالى في سورة الذاريات 47-51: ((وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا
لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ
شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ
إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا
آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)
وهذه
الآيات المعجزة تشكل سبيكة من البيان العالي مطعمة بأشارات علمية تشير الي : كون
ذو تصميم عظيم ، وقانون كوني يخضع له كل شىء مخلوق لله ، أنه قانون الزوجية الذي
يعني ان كل الحوادث المخلوقة لله(من الذرة الي المجرة) مبنية علي نظام التبعض
والتكامل .
ما أكده العلم في آيات الكون المنظور.
الزوجية
ظاهرة كونية من الذرة الي المجرة ، فكل شىء مبني علي نظام الشىء والمكمل له كزوجية
الذكر والأنثى في الإنسان والحيوان والنبات ، وكزوجية الموجب والسالب في الكهرباء
والذرة ، وزوجية الشمال والجنوب في المغناطيس وزوجية النواة والسيتوبلازم في
الخلية وزوجية الكروموسومات والحمض النووي ، وزوجية الجسيم ومضاده ، وزوجية قمة
الموجة وقاعها وقس على ذلك كل شىء .
دلائل الإيمان
في آيات الرحمن.
في
هذه الزوجية آيات تدل على بديع صنع الخلاق ، وفي نفس الوقت فيها إشارة معجزة إلى الفقر
الذاتي لهذا الكون ، فالزوج فقير ومحتاج إلى الزوج المكمل له والعكس صحيح ، ولأن
فاقد الشىء لا يعطيه ، فأن الزوج لا يمكن أن يعطي زوجه ، وهذا العرض القرآني
المعجز يستدرج العقل إلى اليقين في وجوب وجود خلاق له صفات الكمال خلق الزوج وخلق
له زوجه في حكمة بالغة ، ويشير إلى أن الكون فقير وهالك بزوجيته لتبقى الأحدية
والغنى والبقاء لله ، ولذلك جاء التعقيب ( ففروا إلى الله ) بمعنى لا تفر إلى إي
شىء من المخلوقات الفقيرة الهالكة ولكن فر إلى الله لأنه وحده الباقي الواحد الأحد
الغني بذاته من له صفات الكمال.( ولقد ناقشنا ذلك بتوسع
في كتاب ملخص علوم الكون وكتاب الكفر المستحيل ).
• ثانيا
مثال إنساني
: أيات تشير إلى أطوار الجنين
قال
تعالى في سورة المؤمنون 12-16 : (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ
سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ
عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ
اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ
(15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ
سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
وهذه الآيات المعجزة تشكل سبيكة من البيان
العالي مطعمة بأشارات علمية تشير الي : تسلسل
أطوار الجنين ، وجاء الفعل خلق بين الأطوار في إشارة إلى حتمية خلق أحداث تنقل
الطور السابق إلى الطور التالي له ، ثم يعقب على ذلك بقضية الموت والبعث الذي هو
خلقا جديدا من العدم .
ما أكده العلم في آيات الكون المنظور.
تشير
الآيات في إعجاز مبهر إلى المراحل تكوين الجنين كما اكتشفها العلم الحديث ، وفي
نفس الوقت فيها إشارة إلى الخلق من العدم المقيد ( بين الأطوار) فلقد وجد العلماء
يقينا أن الخلية الأولي في بداية الجنين ( الزيجوت ) لو تركت لذاتها فستستمر في
الإنقسام البسيط لتكون كرة غير متمايزة من الخلايا المتشابهة ، ولا بد من خلق
أحداث من العدم تكون سببا في تمايز النطفة إلي علقة ، وكذا العلقة لو تركت لذاتها
فإنها لن تعطي مضغة فلا بد من خلق احداث من العدم تدفعها الي التمايز الي مخلوق له
صفة المضغة وقس علي ذلك كل الأطوار في كل
المخلوقات في الأرض والسماء من بداية الكون الي نهايته .
دلائل الإيمان
في آيات الرحمن.
وهذه الآيات التي تصف الجنين في
مراحله تدل على وجوب وجود خلاق له صفات الكمال ، وهذا العرض القرآني الذي وصف
مراحل تكوين الجنين بدقة علمية لم تكن معلومة وعلمها العلماء بعد نزول القرآن
بأكثر من ألف عام يشكل دليلا يقينيا على صدق الرسالة وصدق الرسول وعالمية الإسلام ،
وبالإضافة إلى ذلك فأن تلك الآيات المعجزة تستدرج العقل إلى الايمان بأن القادر على أن يخلق أشياء من العدم المطلق (من البداية) والعدم
المقيد (بين الأطوار) قادر على أن يعيد ما خلق بالبعث للحساب بعد الموت.
والدراسة العلمية للنصوص
المقدسة أكدت أن كل الأدلة على الصدق والحفظ
والعالمية لا تنطبق يقينا إلا على القرآن الكريم بلا منافس .
ملحوظة : مراجع الإعجاز العلمي
ومقارنة الأديان والكتب المقدسة والمناظرات ، وبحوث دستور الإسلام في مجال حقوق
الإنسان والمرأة وأمن وأمان الإنسان والصحة والنفس، والاقتصاد ، وكتاب مع الله ، وكتاب الكفر المستحيل للمؤلف ، وكل
ذلك متوفر في المكتبات وعلى ألنت بالمجان فارجع إليها بالصوت والصورة .
سؤال: ما الدليل علي
أن الإسلام هو دين الله الخاتم طوق النجاة العالمي الخالد؟
الدليل ما جاء في الوحي ( الحق الصادق) من إشارة إلي انه الدين العالمي
الخاتم الخالد ، وما جاء من بشارات فيما بقي من فقرات محفوظة في النصوص المحرفة ، وأيضا
لأن مصدر التشريع الإسلامي وحي خالد معجز محفوظ ، وكما أن لله صفات الكمال فلوحيه صفات
الكمال ، والنظم اللبرالية(العلمانية) وضعها قادة الحضارة في الشرق والغرب كبديل بشري
لكهنوت مجرم ظالم غبي تبنته الكنيسة بنصوصها المحرفة فعطلت الفكر والعقل ونشرت به التخلف
والظلم ، وباعت للناس صكوك الغفران ، وقادت حروب صليبية مجرمة وظالمة ، فما كان لعقلاء
الشرق والغرب الا ان قاموا بفصل الكنيسة - بكهنتها المفسدين الضالين - عن ادارة حركة
حياتهم ووضعوا تشريعات بشرية تدير حياتهم بعيدا عن إدارة مجرمي الكهنة بنصوصهم المحرفة
، ولأن هذه التشريعات من وضع البشر فإنها تعاني من خلل يقود العالم إلي الانهيار الأمني
والخلقي والصحي والاقتصادي ، وقادة الحضارة يبحثون الآن عن البديل ، ولا بديل إلا في
دين الخلاق العليم الذي يأمر
بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .
ولكي نتعرف على أن تشريع الإسلام
هو طوق النجاة العالمي الخالد ، علينا أن نتعرف على فطرة بناء الإنسان التي تتكون من : نفس وبدن أو
روح ومادة ، وكما أن للبدن متطلباته المشروعة والضرورية ، فأن للنفس متطلباتها التي
تصل بها إلى حد الكمال .
* وكمال الجانب المادي هو : الأمن والأمان في النفس والعرض والمال ، وحد
الكفاية في المتطلبات الضرورية كالمأكل والمشرب
والمنكح والعلاج والتعليم .
* وكمال الجانب النفسي هو : أن توقن النفس أنها خلقت لهدف غايته الخلود ،
وأن من فوقها خلاقا له صفات الكمال ، حي قيوم قادر على كل شيء ، صمد تلوذ إليه في الشدائد
، رقيب حسيب حكم عدل مالك يوم الدين ( يوم الحساب والخلود ) ، ونفس بهذا الاعتقاد لا
تكتئب فتنتحر ، ولا تتوحش فتصبح مجرمة ، بل تعيش راضية مرضية متسامحة ، تطمئن بذكر
الله ، وتخاف من يوم الحساب ، وتنشر الحق والعدل والحب الطاهر .
|
وكمال الجانب النفسي لازم
لكمال الجانب المادي ، لأن النفس المؤمنة وحدها التي يتحقق بها الحرية الطاهرة والحب
في الله والعدل والإحسان، والأمن والأمان ، والعفة والأمانة ، وكل ذلك يتحقق في مدينة
الإسلام
|
والحضارة العلمانية الملحدة
تقول للنفس : انك
بلا هدف أو غاية ، انك خلقت بالصدفة ( والعشوائية ) لتعيشي لحظات بلا سند لتهلكي بلا
رجعة ، ونفس بهذا الاعتقاد لا بد وان تصاب بالاكتئاب فتمرض وربما تنتحر ، أو تتوحش
فتصبح مجرمة في محاولتها لنيل كل شهواتها الحيوانية في تلك الفترة التي تعتقد أنها
بلا رجعة وبلا رقيب أو حسيب .
والنصوص المحرفة
تفقد النفس ملاذها الآمن وسندها المتين ، بما تنسب لله من صفات لا تليق بكماله ، وبما
تنسب لرسل الله من صفات لا تليق بحملة رسالة الله ، وبما جاء فيها من تحريف وحض على
العنصرية والفسق والإجرام ، والوحي الخالد المحفوظ مبرأ من كل ذلك لأنه محفوظ بصفات
كماله وتشريع الإسلام بلا منافس فكله حق وخير وعدل وطهارة وصدق لأنه يعتمد على قواعد
مهمة هي :
الله وحده
خالق كل شيء ومالك كل شيء ويعلم ما يصلح كل شيء ، ﭧ ﭨ (( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي
اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ
بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
(54)
، وفي سورة الملك 14: (( أَلَا يَعْلَمُ
مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) ويترتب
علي ذلك : أنه وحده المشرع والآمر الناهي .
* وتشريع الإسلام يعتمد علي
أن الحكم لله والبشر كلهم سواسية أمام الله
كما جاء في خطبة الوداع لرسول الله ، قال :
(( يَا
أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، أَلا وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ
، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، أَلا لا فَضْلَ لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ
إِلا بِالتَّقْوَى ، أَلا قَدْ بَلَّغْتُ
))، وما الخليفة (
الحاكم ) إلا بشر مكلف بتنفيذ حكم الله في مملكة الله . والتشريعات البشرية مليئة بالمظالم والنواقص والقصور
والعنصرية ، بينما تشريع الخلاق العليم له صفات الكمال
سؤال: ماذا كانت النتيجة
عندما خالف الإنسان دين الله العالمي الخالد ؟
* النتيجة هي : هاهو ذا العالم يتحول إلى غابة من الوحوش والقردة
والخنازير ويتجه إلى الهلاك بأمراضه الخطرة ، فإنكار الخالق القدير الرحيم الحكم العدل
وإنكار يوم الحساب دفع النفس البشرية إلى الاكتئاب أو التوحش ، فانتشرت الفواحش والجرائم
والمسكرات ، واخترع الأنانيون الظلمة من بني البشر طاعون الربا ( أم المظالم ) الذي يقود الحضارة العالمية
إلى الانهيار والفشل ، وصاغوا القوانين والتشريعات العنصرية والظالمة التي تخدم أهواءهم
، فانتشرت جرائم العنف وردود أفعال المظلومين ، وتحت مسمى ( اللبرالية العلمانية )
فرضوا قوانين تحمي الزنا واللواط فانتشرت الأمراض
الفتاكة كالإيدز والأمراض الجنسية والنفسية التي تهدد البشرية بالزوال ، وغيروا فطرة
الله وأباحوا الخمور والتعامل مع النجاسات واتبعوا كل ما يخالف شرع الله ، فغرق العالم
في طوفان مضاعفات الخمور والمخدرات وجرائم
الاغتصاب والقتل والسرقات وظهر جنون البقر والبشر وأنفلونزا الخنازير وغيرها من الأمراض
البدنية والنفسية المدمرة ، وأخيرا انهار اقتصاد الربا والتطفيف والغرر(وكلها أمور
حرمها وجرمها الإسلام) ولا نجاة للبشرية إلا في الرجوع إلى الإسلام ، فكل ما جعله حلالا
سعادة للبشرية وكل ما حرمة فيه خراب لها .
سؤال : لماذا عدم التمسك بدين الله والحكم بشرعه يترتب
عليه خسران الدنيا وعذاب الآخرة ؟
لنضرب مثلا : عندما يكون عندك جهاز ماء تريد أن يعمل على أكمل
وجه ولا يتعرض للتلف ،فإنك تستشير من صنعه ، فلو كان الجهاز كمبيوتر فأنك تستشير صانع
الكمبيوتر ، فماذا لو استعنت بسباك أو جزار حتما ستتهم بالخبل أو الجنون وسيتعرض الجهاز
للتلف والهلاك المحقق .
كذلك
لا يصلح حال المكلفين إلا خالقهم الذي وضع لهم تشريعا يدير حركة حياتهم على أكمل وجه
ليبلغوا مأمنهم في الدنيا والآخرة ، وتشريع خالقهم كله حق وخير وعدل وطهارة ، وتشريعات
البشر قاصرة وتطفح بالظلم والظلمات والجهل والفساد وتقود العالم إلي الهلاك المحقق
، ولا نجاة لهم إلا في دين الله وشرعه .
ولو رفض المكلف النعمة والرحمة والتكريم من خالقه فإنه
خائن كافر يستحق العذاب .
قال تعالى في سورة الأعراف 54 : (( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي
اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ
بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
(54)
وفي سورة النحل 97: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) وفي سورة طه 124 L( مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
سؤال : لماذا إنكار يوم الحساب ( القيامة ) كفر
بالله ؟ .
لأن
إنكار يوم الحساب فيه إنكار لما جاءت به رسل الله ، وأيضا فيه نسبة العبث والظلم للخلاق
سبحانه ، لأنه من العبث أن يوجد مخلوق مكلف مسخر له طاقات مذهلة ونعم لا تعد ومكرم
بالخلافة ومتواصل مع الوحي ، ثم ينتهي كل ذلك إلي هلاك لا رجعة بعده يستوي فيه المؤمن
الصالح المجاهد الطيب مع المجرم الكافر المفسد في الأرض ، وهذا العبث والظلم لا يوصف
به من له صفات الكمال الرحمن الرحيم الحكم العدل . كما جاء في سورة الأنعام 29: (( وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا
الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)
يرد عليهم الحق في سورة الدخان 38-39 : (( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ (39) وفي سورة المؤمنون 115-116: (( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا
وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116 ويوضحها سبحانه في سورة القلم
35-36 : ((أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ
كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
مثال مهم : لو فرض أن صاحب مدرسة صرف عليها المليارات وجهزها
بأحدث الأجهزة وأنبغ المعلمين ثم في آخر العام أصدر أمرا بأن كل الطلبة تنتقل (
بلا اختبار ) إلى المرحلة التالية سواء من اجتهد واستقام أو من فسد وأهمل ، فحتما
سيحكم العقل أن صاحب المدرسة يعبث وأن ما فعله باطل يشجع على الفساد وفيه معنى
الظلم ، فحاشا لخالق ذلك الكون البديع المتقن ، أن يسوي بين الكفار والمؤمنين أو
بين الصالحين والمجرمين ، إن يوم الفصل حق والحساب حق .
سؤال : هل هناك تشريع آخر يمكن أن ينافس تشريع الإسلام أو يصلح أن يكون بديلا
عنه ؟
الإجابة : مع اننا نقر بأن التوراة حق والإنجيل حق وكل ما
نزل من عند الله حق وهو إسلام ، ولكن العليم الحكيم قدر للبشرية رسالات متتالية وفقا
لأطوار البشرية ، وكلما حدث في الرسالة السابقة تحريف أو جد طور أرقي للبشرية جاءت
الرسالة التالية معدلة أو مكملة ، حتى جاءت الرسالة الخاتمة المناسبة لطور كمال البشرية
( الإسلام ) فنسخت فيها وبها ما سبق من رسالات ، والحق سبحانه لا يبقي إلا على رسالة
وحيدة محفوظة في اي فترة زمنية حتى لا يتفرق عباده ويكفر بعضهم بعضا ، فكانت رسالة
الإسلام الخاتمة هي الوحيدة التي تحمل دلائل الحفظ والعالمية ، والنصوص الباقية والتي
تحمل اسم المقدس فالتحريف فيها لا يخطئه عقل باحث عن الحقيقة ، وحتى ما بقي يحمل روح
الوحي من النصوص المقدسة للديانات السابقة للإسلام ، فإننا لا نجد فيه إشارة إلى أنه
الرسالة الخاتمة العالمية بل نجد فيه بشارات بالرسالة الخاتمة العالمية التالية له
، فبالنسبة
للمسيحية فلا يوجد بها تشريع يصلح لإدارة دولة
بل نجد في مفهومها ( ما لقيصر لقيصر وما لله لله ) بمعني الحكم لقيصر والعبادة لله
، وايضا ليس فيها نص بأنها الرسالة النهائية الخالدة ، بل فيها مبشرات برسالة تالية
تحكم العالم بعدلها وشمولها ، إما بالنسبة لتشريع اليهود أو شريعتهم ( الحالية ) فهي
بجانب أنها تهتم بالجانب المادي للإنسان والجانب الدنيوي فأننا نجد أن معتقد كهنتها
انها ديانة عنصرية تخص شعب الله المختار وحده ، ولا يوجد بها نص يؤكد انها خاتم الرسالات
بل فيها إشارات إلى خاتم الرسالات التي ستأتي بعدها لتحكم العالم ( وفي المراجع وكتب مقارنة الأديان والكتب المقدسة
الكثير من الأدلة وهي علي النت بالمجان فأرجع اليها ) .
وقد
جرب الشرق والغرب ( عمليا ) حكم الكهنة بنصوصهم المحرفة التي اشاعت الظلم والجريمة
وعطلت العقل وحاربت العلماء ، وباع فيها الكهنة صكوك الغفران بأسم المقدس ، ولما ذاقوا
ذلك الظلم والظلمات عملوا علي فصل الدين عن الدنيا فوضعوا الكهنة ونصوصهم المحرفة في
المتاحف والمعابد وبدأوا يفكرون في إدارة حياتهم بعقولهم المجردة عن الوحي بما
يسمى بالنظام العلماني والدولة المدنية واللبرالية ، ولقد استفاد الشرق والغرب من الفتوحات الإسلامية
في مراحلها الأولى حيث اطمأنوا ورضوا بحكمه الطاهر وعدله الباهر قرابة الألف عام ،فعلمهم
الإسلام الحق والعدل والحرية الطاهرة واحترام العقل والعلم ، ولاحقا بعد قرابة الألف
عام بعد ان بدأت الخلافة الإسلامية في البعد عن طوق نجاتها المتمثل في دين ربها العالمي
الخالد وظهر فيها الوهن والصراع وحب الدنيا ، وهنا خرجت الأفاعي من جحورها لتقود حربا
ظالمة حقدا وحسدا ضد من حرروهم من عبادة غير الله إلى عباده الرحمن ومن اخرجوهم من
ظلمات الأساطير إلى علم اليقين .
وهاهو ذا العالم الآن تهدده التشريعات العلمانية بالدمار ولا نجاة
له إلا في الإسلام ، وقد بدأ عقلاء الحضارة العالمية يوقنون بذلك ، وسنقدم امثلة قليلة
وفي المراجع الكثير والكثير
سؤال : هل هناك دليل عملي يمكن أن يكون حجة للعقل العالمي تجعله
يختار الإسلام كقائد لحياته ، وطوق نجاة له ؟
الإجابة : نعم هناك أدلة كثيرة منها ما هو تاريخي مثل :
نموذج الخلافة الإسلامية النقية الصادقة والتي قبلها العالم كله لتدير شئون حياته
قرابة الألف عام فنشرت العدل والحق والحرية الطاهرة وعلمت العالم التوحيد ونورت الكون
بالعلم وقضت على الأساطير وتأليه الكهنة والطاغوت.
والواقع العملي الآن يدل يقينا على أن الحضارة
العالمية بتشريعاتها العلمانية واللبرالية البعيدة عن دين الله تقود البشرية إلى الدمار
الشامل في المجال النفسي والأمني والإقتصادي والصحي ، والبيئي ، وتشريع الإسلام يشكل
طوق النجاة الوحيد بلا منافس أو بديل ، ، وفي الملحق آخر الكتاب بعض الأمثلة ، وفي
المراجع الكثير والكثير .
|
وعلي الذين يتهمون الإسلام بالعنصرية والإرهاب جهلا أو حقدا وحسدا ،
عليهم أن يعودوا إلى رشدهم بدراسة دين الله طوق النجاة العالمي من مصادره
(القرآن وسنة الرسول الخاتم )
|
وهذه امثلة قليلة وفي المراجع
الكثير
:
الإسلام نظر إلى بنى الإنسان على أنهم وحدة في
حضرة الخلاق ، كما فى قوله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) و (لا
فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) ونقرأ في
القرآن ما يؤكد ذلك في مثل قوله سبحانه في سورة الحجرات 13: (( يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
كل ذلك يوضح ويجدد معنى الوحدة الإنسانية الكاملة
الحقيقية ، ولهذا المعنى الجامع بين بنى الإنسان كان الإسلام يدعوا إلي الرحمة الإنسانية
من غير نظر إلي كون الشخص عربيا أو أعجميا ، مسلما أو غير مسلم ، فالرسول يقول :[
الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ]، ومن في الأرض أيا كانوا سواء أكانوا في بلاد المسلمين
أم في غيرها .
والإسلام اعتبر النفع الإنساني - أو مطلق نفع يسديه
المسلم - صدقة محتسبة ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:[
ما من مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه إنسان أو دابة إلا كتب له به صدقة]، فالنفع الإنساني العام ، بل النفع للأحياء جميعا
، أمر دعا إليه الإسلام .
وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : [
المؤمن من يأمن الناس بواتقه ] وقال رسول الله ( الناس ) ولم
يقل المسلمون ، وأيضا يقول صلى الله عليه وسلم [
المسلم من سلم الناس من يده ولسانه ] فهذه المعاني الإنسانية العالية هي التي تبين وحدة
بنى الإنسان ، لا تفرق بين جنس وجنس ، ولا لون ولون ، ولا دين ودين ، وأن البر يجب
أن يكون بالإنسان لذات الإنسان .
والإسلام دين العدالة بكل أنواعها ، بكل شعبها بكل
فروعها ، العدالة القضائية التي لا تفرق بين شخص وشخص ، ولا بين غني وفقير ، ولا بين
حسيب ونسيب ، العدالة المطلقة التي لا تفرق بين عدو وولي ، فالعدو يجب أن يعامل بالعدل
كما يعامل الولي ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في المائدة 8: (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ
لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) ومعنى شنئان قوم ما تبغضون من الناس ، ومعنى ( لا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا أعدلوا
) أن الله يأمرهم بالعدل حتى مع الأعداء ، ويقول سبحانه في سورة النساء 135: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ
بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى
أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ
خَبِيرًا (135)
والإسلام إذ يدعو إلى الرحمة العامة ببني الإنسان
لا يدعو إلى التسامح مع المجرمين .. بل إن عقاب الآثم هو من الرحمة ، ولذلك يقول النبي
: [ من لا يرحم لا يرحم ] ، والقصاص من الجناة هو من الرحمة بالإنسانية ، ولذلك يقول
الله عز وجل في سورة البقرة : (( وَلَكُمْ
فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)البقرة ؛ ودفع شر المعتدين المجرمين
الفاسقين المستكيرين في الأرض هو من الرحمة بالإنسانية .
ولذلك فرض القتال في الإسلام ، فالقتال في الإسلام
ليس من أجل الإستكبار في الأرض أو فرض فكر أو سلوك معين بالقهر ، بل هو لدفع الشر والإجرام
والطغيان كما جاء في سورة البقرة 190: (( قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
(190) وفي سورة الممتحنة 8-9: (( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ
فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ
عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا
عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
(9)
وفيها يقول الإمام الطبري :
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ:
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} مِنْ جَمِيعِ
أَصْنَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتَصِلُوهُمْ، وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ
فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ جَمِيعَ مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَتَهُ،
فَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ
مَنْسُوخٌ .
وفي سورة الأنفال 61: (( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) فالإسلام دين الله العالمي الخالد طوق النجاة الوحيد
للحضارة العالمية ، وعلى أحرار العالم وعقلاء الكون أن يدافعوا عن ذلك الدين الذي
( يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ) فهو طوق النجاة
لحضارتهم المهددة بالهلاك وعليهم أن يتصدوا بالحجة والعلم للشياطين والعملاء الذين
يكرسون حياتهم في محاولة القضاء على دين الخلاق العليم ،أو إطفاء نوره العالمي المشرق
في ملكوت رب العالمين ، ولن يقدروا على ذلك كما قال سبحانه وتعالى في سورة التوبة
32-33 : ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ
إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ
رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ
كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
وفي المراجع الكثير وعلي النت بالمجان ، وعلي الأمة
التي اختصت بدين الله العالمي الخالد أن لا تخون الله فيه ، بل عليها أن تتوحد عليه
عمليا وتقدم من خلاله نموذجا مشرفا ومشرقا تجد فيه الحضارة العالمية المهددة ملازها
الآمن وطوق نجاتها الحق .
سؤال مطروح : إذا كان الإسلام حقا
فيه كل تلك الصفات العظيمة فلماذا من ينتمون إليه من الدول العربية والإسلامية في
آخر طابور الحضارة وآخر طابور الكرامة بلا هدف أو غاية ؟
الإجابة :
ما تعاني منه الأمة فبسبب إنسلاخها عن مصدر قوتها ووحدتها وتقدمها وفلاحها
والمتمثل في دين ربها العالمي الخالد( الإسلام )
، وعندما كانت الأمة موحدة على طوق نجاتها - ومصدر قوتها وفلاحها وعزتها في
رضى ربها القدير- سادت العالم قرابة الألف عام فنشرت الحق والعدل والعلم والحرية
الطاهرة وعلمت البشرية التوحيد .
وعندما
تعود الأمة إلى ربها موحدة على دينه العالمي الخالد فأنها ستعود خير أمة أخرجت
للناس لتقود البشرية كلها إلى بر الأمان .
الثمرة
بعد تلك الرحلة العلمية الراقية أيقنا بأن للكون
خلاق له صفات الكمال ومن صفات كماله أنه لم يخلق ذلك الكون العظيم عبثا أو باطلا
بل خلقه لهدف غايته الكمال ، والكون ينقسم إلى قسمين ، قسم مسير خلق لتسبيح الله
وليكون منه آيات بينات للقسم المخير ، والقسم المخير حر الإرادة مكلف بعبادة الله
طوعا ، ومن صفات كمال الخلاق العليم أنه سبحانه زود المكلفين بآيات مانعة للجهالة
قاطعة للأعذار في دنيا التكليف بمغرياتها وشياطينها ، هذه الأدوات المانعة للجهالة
هي : أن الله جعل من حول المكلفين من عباده كون يشع بالآيات البينات التي تدل على
وجوب وجود خلاق له صفات الكمال ، وخلق له عقل برنامجه متوافق مع برنامج ذلك الكون
العظيم حتى يدركه ويتعامل معه ، وذلك العقل زوده العليم الحكيم بخاصية البحث عن
الحكمة والهدف والغاية التي بها يقوم العقل برحلة فكرية على مدارج آيات عالم
الشهود فيطل إلى الغيب وكأنه يراه فيؤمن ، وفوق كل ذلك زود الرحمن عقل ( قلب )
المكلف ببرنامج ( الوحي ) يصاحبه من البداية معلما ، ويرسله مع الرسل وفقا لمراحل
البشرية ، معلما وهادبا ومذكرا وشافيا ، بشيرا ونذيرا كما بينت سورة الأحزاب 45-46
: ( يَاأَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا
إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
وعندما
يوقن المكلف بعظمة الله وعظيم نعم الله عليه وتكريمه له ، يصبح أشد حبا لله ، كما
جاء في سورة البقرة 165 : ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ
كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)
والمحب يتلمس الطريق الي مكان حبيبه ويطلب رؤيته ، كما حدث مع موسى
عليه السلام عندما إستشعر قرب الله منه فطلب الرؤية ، كما جاء في سورة الأعراف 143: ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا
وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ))
مما يفتح الطريق إلى تسائل المحبين :كيف
أعبد الله وأتقرب إليه وكأنني أراه؟
هذا من علوم مقام الإحسان الذي سنناقشه في القسم التالي من الكتاب .
مقام الإحسان
(الإِحْسَانُ أَنْ
تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)
أين الله ؟
اريد أن أراه
بعد تلك الرحلة العقلية العلمية الراقية
التي أيقنا من خلالها وجوب وجود خلاق له صفات الكمال خلق ذلك الكون ذى التصميم العظيم
، وأنه سبحانه فضلنا نحن البشر على كثير مما خلق وأسبغ علينا ما لا يحصى من النعم ،
وقربنا إليه وفتح لنا أبوابه الواسعة جودا وكرما وحبا ونحن الفقراء إليه ، فكم هو حقير
لئيم ذلك الكافر الذي ينكر الجميل ! ، وكم
هو مخلص وجميل ذلك المحب للرحمن الكريم ، ومن حق المحب أن يسأل : أين حبيبي ويتوق إلى
رؤيته والتقرب إليه ، ولــقد سأل موسي ربــه (أرني انظر اليك) ولم يعاتبه ربه عن هذا
السؤال بل رد عليه كما جاء في سورة الأعراف 143: ((وَلَمَّا جَاءَ
مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ
لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ
تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا
فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ
(143)
نفهم منها انه سبحانه يقدم ردا عمليا
لموسي يبين فيه أن امتناع الرؤية في دنيا التكليف والحجاب ما هي إلا رحمة بالمكلف الذي
خلق على هيئة ضعيفة فانية لا تتحمل سبحات وجه الله الذي لو كشف الحجاب عنها لهلك ذلك
العبد في الحال.
والفرق واضح بين سؤال الذي يذوب حبا وسؤال
قساة القلوب ممن سألوا نبيهم ما لا يطيق (أرنا الله جهرة) وفي أرنا سوء أدب وكأن موسي
بمقدوره ان يستحضر لهم الله بذاته ، وفي كلمة (جهرة) دليل التبجح ، ولذلك كان الرد
عليهم بالصاعقة التي قضت عليهم ليكون لهم في ذلك درسا يردعهم .
وسؤال أين الله ؟ سؤال جائز شرعا
فقد سأله صلي الله عليه وسلم للجارية وحكم عليها بالإيمــان عنــدما أجـابت (بأنه في
السماء) ، وقد تفهم بعض العقول البسيطه أن الرسول أقر للجارية بأن الله في السماء
(المكان) لأن في ظرف مكان فتكون السماء إشارة إلي المكان ، وهذا فهم باطل ، فالراسخون
في العلم من الذين فسروا هذا الحديث قالوا : ان رسول الله لا يقصد الإشارة إلي ظرف
المكان لذات الله – فهذا لا يعقل – بل يقصد إختبار مكانة الله في قلب الجارية ، فإن
كان فيه شرك لأشارت إلى مكانه علي الأرض ، فلما أشارت إلي العلو علم أن قلبها انتقل
من الأرض إلى ما فوق السماء فحكم عليها بالإيمان بقدر عقلها
وهذه الأسئلة المشروعة (أين الله ؟ وأرني أنظر إليك) ضمن قضية اسميها
(العلاقة الوجودية بين الخالق والمخلوق ) وقد قدمت فيها رسالة غير مسبوقة ( فضلا من
الله ) تحت مسمي (رسالة في المعية) ، وأيضا بتوسع كبير في كتاب فلسفة العدم ، ولكن
في هذا العمل الصغير نقدم الخلاصة فنقول وبالله التوفيق :
كل علماء الكون (حتى الكفار منهم) يقرون بأن الكون
نشأ من اللاشىء(العدم) واليه يعود، وأطواره مسبوقة بالعدم بل هو في وجوده الحالي مكافئ
للعدم ( ولقد
شرحنا ذلك بتوسع في كتاب فلسفة العدم ،وكتاب ملخص علوم الكون ، وكتاب الكفر
المستحيل
) ، ولأن من يقين
العقل أن العدم لا يعطي وجود لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأننا نشاهد أن من ذلك العدم
تخرج سلاسل العلل والمعلولات في خطة محكمة ذات تصميم عظيم يتحقق منها هدف غايته الكمال،
فأن العقل حتما سيوقن بوجوب وجود خلاق له صفات الكمال، ليس كمثله شيء، واجب الوجود
بذاته (أول ليس قبله شيء)، ومن المستحيل أن ينكر العقل وجود المصدر (الأول) الذي خلق
كل شيء من العدم، والذي لولاه ما كان أي شيء بما فيه ذلك العقل المجادل.
والوحي الخالد يقر بذلك كما جاء في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة ، ففي سورة الحديد
3 : ((هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) يبينها حديث صحيح : (أَنْت الأول فَلَيْسَ قبلك شَيْء
وَأَنت الآخر فَلَيْسَ بعْدك شَيْء وَأَنت الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء وَأَنت
الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شَيْء) وفي حديث
صحيح :[ كان الله ولم يكن شيء قبله أو غيره أو معه ثم خلق السماوات والأرض] وكل ذلك
يشير إلى الوجود الأزلي لله سبحانه وأن كل شىء دونه قد نشأ من العدم ( اللآشىء ) وإليه يعود ، وهو سبحانه بذاته وصفاته كما كان لأنه سبحانه
لا يتغير أو يتبدل أو ينقص منه شىء أو يزيد ، فهو القديم الأزلي الغني بذاته وصفاته
الذي ليس كمثله شىء .
وهنا يسأل العقل المفكر سؤالاً مشروعاً : بعد أن خلق العليم الحكيم ما خلق أين سيكون موضع
ما خلق بالنسبة إلي المحيط ( والمحيط اسم من أسماء الله ) ؟
لا يمكن أن يكون موضع المخلوقات قبل المحيط ولا بعده ولا فوقه ولا دونه فلا يوجد أصلا جهات
متخارجة عن المحيط ، والزمان والمكان أشياء مخلوقة من العدم مع الأجسام ، فلا مفر من أن يكون مــوضع ما يخـلق من الــعدم
في مــعية الله (المحيط ) والكون كله يشكل نقطة أو حلقة في حكم العدم في معية المحيط ، ولأن العدم أصل المخلوق وصفة ملازمة لذاته ، فإن
قيومية كن لازمة لاستمرار وجوده مكونا ( نسبة المعية ) فهو الخالق لها من اللاشيء والمحيط
بها ، بلا حلول أو اتحاد ، فكيف يحل أو يتحد الحادث العدمي في المحيط القديم الأزلي
الذي ليس كمثله شىء ، ولو مثلنا هندسيا للمحيط بدائرة ليس كمثلها شىء ، ومثلنا الكون
بنقطة في حكم العدم ، فمن المستحيل أن تحل دائرة المحيط في نقطة العدم ، بل لا مكان
للنقطة إلا في معية المحيط (ولا يمكن للنقطة التي هي في حكم العدم ان تحل أو تتحد بواجب
الوجود بذاته) ، ولو مثلنا رياضيا للخلاق بالواحد ( 1) وله المثل الأعلي ومثلنا للمخلوق
بالصفر (0) وهي حقيقة ذاته ، فهل يتغير الواحد لو أضفنا إليه عدد لا يحصي من الأصفار
( 1+0 000 = 1 ) .
خلاصة الخلاصة
|
|
|
لا يعقل أن تحل الدائرة في نقطتها ولكن
الدائرة تستوعب عددا لا يحصي من النقط ،فكيف يحل المحيط في النقطة ، وكيف يحل أو يتحد
اللآمحدود في اللاشيء.
الكون في البداية : عدم مطلق+ كن
= بداية الخلق في معية الله بلا حلول أو اتحاد
أطوار الكون من البداية إلى النهاية : عدم مقيد ( بين
الأطوار ) + كن = تكامل سلسلة الأطوار في معية الله
بلا حلول أو اتحاد
والخلق بقيومية ( كن ) مستمر علي جميع المستويات ، ولا شبهة تماثل بين المخلوق
والخالق ، كما انه لا شبهة تماثل بين المصنوع والصانع ، فمثلا لا تماثل بين النجار
والكرسي ، وبناء على ذلك فلا شبهة للحلول او
الإتحاد ، لأن الحلول والأتحاد يقتضى التماثل ، ولا تماثل بين الحادث العدمي وواجب
الوجود القديم الأزلي الذي ليس كمثله شىء
ودنيا التكليف يمكن تشبيهها بنقطة أو قطرة أو حلقة في محيط لا حد له ، وغطاء
تلك الحلقة هو الحجاب الذي يحوى داخله عالم التكليف بأسبابه
وأجسامه وطاقاته وزمانه ومكانه كما يخلقه العليم الحكيم ، وفي داخل هذه الحلقة الآيات
، وفيها تسبيح المسبحين وسجود الساجدين وعروج العارجين ، والحلقة ومحتوياتها في حالة
قبض وبسط وشؤون كثيرة وفقا لتجليات (أمواج) الأسماء والصفات ، وحجاب الحلقة هو سدرة المنتهى لعقول المكلفين
، ولا سبيل للعقل القاصر في أن ينفذ إلى ما وراء الحجاب إلا بسلطان ولا سبيل للعلم به إلا من
خلال الوحي ، والفقاعة بما حوت عدم في ذاتها تكتسب وجودها بقيومية كن فتصبح مخلوقا
في معية الله ، فلا تطلب المستحيل وألزم حدودك حتى يكشف عن الغطاء وسبح مع المسبحين
، وأسجد واقترب .
* وعندما يعرف العبد أنه لا مكان له ( هو ومن حوله
من الحوادث ) إلا في معية الله ولا وجود له في ذاته إلا بإفاضة الوجود عليه – جودا
وكرما – من واجب الوجود بذاته الحي القيوم ، وعندما يعلم المخلوق أنه لا شيء لولا قيومية
إفاضة الوجود عليه من ربه الموجود الذي لا تعد نعمه ولا تحصى ، عندما يوقن بذلك يخر
ساجدا مسبحا للواحد القهار فيعبد الله وكأنه يراه فهو أقرب إليه من حبل الوريد .
خلاصة ومسك الختام
أن العقل يوقن ان من وراء أي صنعة ( حتي
ولوكانت دبوساً بسيطاً ) صانع صنعها بعلم ليتحقق منها هدف وغاية ، وكلما كانت للصنعة
صفات الكمال كان لصانعها صفات الكمال ، وبناء علي ذلك أنظر فيما حولك وفي نفسك وتفكر
، هل هنــاك خــالق لأي شيء غــير الله ؟
وهل هناك من منحك ما تستمتع به من النعم والتكريم
غير الله ؟ ، وأيضا عليك أن تتفكر في قوانينه
التي وضعها لتدير حركة الكون ونظامه على أكمل وجه بلا خلل أو فطور لتكون دليلا على
وجوب وجود ألحي القيوم ، وفي القرآن آيات تصف الكون من البداية إلى النهاية وتصف
الإنسان من النطفة إلى الخلق الأخر وصفا علميا تطابق مع أدق البحوث العلمية
اليقينية ليكون في ذلك دليلا يقينيا للعقل الباحث على صدق الرسالة وصدق الرسول
وعالمية الإسلام ، وفي وحي الإسلام دستور عالمي يحقق العدل والتوازن بين الإنسان
ونفسه والإنسان وأخيه الإنسان والإنسان والكون من حوله ليكون في ذلك دليلا على أن
في دين الله الخالد طوق النجاة للحضارة العالمية بلا بديل ، فكيف ترفض دينه الذي (
يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء
وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي ) والذي وضعه ليدير
حركة حياة المكلفين فيكون شرفا وعزا لهم ويكون طوق النجاة لهم في الدنيا والآخرة ،
وكيف تستبدل شرعه بتشريعات القردة والخنازير وعبد الطاغوت والمفسدين في الأرض .
* وعلى من يرفض دينه أو يحارب شرعه أو
يلتمس العزة في غيره ، عليه أن يخرج من ملكه ولا يستخدم شمسه وقمره وهواءه وماءه وسمعه
وبصره ومكانه وزمانه ، فأين تذهبون ، " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفْسِي
إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ
أَمْرِي إِلَيْكَ ، رَهْبَةً مِنْكَ وَرَغْبَةً إِلَيْكَ ، لا مَنْجَى مِنْكَ إِلا
إِلَيْكَ ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وِبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ
" .
* إن من يعطيك قطعة شوكلاته تحبه ، ومن
يعطيك حذاء تشكره ومن يعطيك ساعة أو محمولاً تجله ، ومن يعطيك سكناً (غرفة واحدة) مجاني
ومعونة بسيطة من المال (تحبه وتخاف أن تغضبه
وتظل تذكره ولا تنساه ) وفي ذلك معني العبادة ، فكيف ومن أعطاك الوجود من العدم ، والحياة
من الموات والعقل من البكم ، ومن تابعك بالعناية في بطن امك ثم أخرجك – من ظلمات الرحم
- طفلا
، ومن منحك الشمس والقمر والنجم والشجر وماء البحار وقطر المطر ونسيم الصدور
ونبض القلوب ونور البصر، وسخر لك ما لا يحصي من النعم ، ومن كرمك بالخلافة وبكلامه
ووحيه .
ألا يستحق من فعل كل ذلك الشكر والعبادة فبأي حق
تعبد غيره وتشكر غيره وتلتمس العزة في غيره ؟
يقول لك من خلقك من العدم وكرمك بالخلافة
على أرضه وسخر لك كل ما تشاهد وتستمتع به من النعم ، يقول لك الحق في سورة
الذاريات 56-58 : ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ
مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ
ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
والعبادة هي أن تحب الله وتشكره وتخاف أن تعصيه وتكون
صلاتك ونسكك ومحياك ومماتك لله رب العالمين لا شريك له ، ومن العبادة أن يكون الحكم
لله في كل أمورك ، لأنه سبحانه خالق كل شيء ويعلم ما يصلحه في الدنيا والأخرة ( له
الخلق والأمر) وكل ما أمر به خير ، وكل ما نها عنه شر
* والصلاة رأس العبادة هي تكريم ، وكرم
، وطوق نجاة في الدارين ، تكريم لأن مالك الملك والملكوت يستدعيك للقائه بلا واسطة أو حواجز لتتودد اليه فيحبك ، وتطلب منه
فيعطيك ما هو خير لك ، يطلبك حبا خمس مرات في اليوم وأنت الضئيل في جرمك كذرة غبار في عظمة ملكوته ،
( جرب تكرار محاولة اللقاء بمسئول أو قائد ، فأن لم تعتقل فستطرد مهانا محتقرا ) ولكن
الكريم ذا العرش العظيم يقول لك (( أَنَا عِنْدَ
ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ
فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ
تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ
ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَة
)) رواه البخاري ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا
فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ
مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ
حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ
الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي
بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا
تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ
الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ )).
." اللهم إنّا نستعينك ونستغفرك،
ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخضع لك، ونخلع ونترك
من يكفرك، اللهم إيّاك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى
عذابك، إنّ عذابك الجد بالكافرين ملحق "
وكل ما يحدث من مصائب وكوارث وظلم وظلمات
في دنيا التكليف فبسبب نسيان البشرية لربها الكريم ، وإنسلاخها عن دينه العالمي الخالد
( الإسلام ) طوق النجاة الوحيد للإنسانية المهددة بالهلاك ، ولا نجاة لها إلا بالفرار
إلى الخلاق العليم .
وفي الذاريات 50-51 : ((فَفِرُّوا إِلَى
اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)
قبل الطوفان نداء عاجل هام
علي الأمة أن تعلم أن الحرب على الدين
على العموم وأتهام الإسلام بالإرهاب لهي حرب المقصود منها الإسلام وحده لأنه دين الله
الوحيد الخالد المحفوظ الذي يشكل العقبة الوحيدة أمام أهواء ومطامع الشياطين من كفرة
الحضارة العالمية ، الذين يعلمون أن العالم يتجه إلى الإنهيـار الشامل ولا نجاة له
إلا في دين الله العالمي الحق ( الإسلام ) ويعلمون أيضا أن الأمة الإسلامية لو توحدت
على دين ربها الخالد وقدمته – عمليا - للعالم
كما تعلمته من رسولها العالمي- رسول الرحمة والسلام- فأن العالم سيختار – طوعا – الإسلام
دينا لأنه الملاز الآمن وطوق النجاة الوحيد للبشرية المهددة بالدمار الشامل ، ولذلك
فأن كل شياطين العالم متفقة الآن على أن تكون الأمة الإسلامية مسرحا للحرب الرابعة التي تعتمد على
إدارة صراع خبيث بين أبعاض أمة أنسلخت عن قبلتها مصدر وحدتها وقوتها في رضى ربها فتقطعت
إلى أهواء متناقضة ومتباغضة تستغلها الشياطين من خلال عملاء لهم في إدارة صراعاً غبياً
يؤدي إلى هلكة الأمة وخرابها فتعود مرة أخرى إلى أحضان الشيطان ذليلة ومهانة ومغضوبا
عليها فتخسر الدنيا والآخرة ، ولا نجاة لها إلا بالفرار إلى من يقول للشيء كن فيكون
، فتعلن التوبة وتعقد العزم علي أن يكون الحكم فيها لله موحدة على دينه الكامل الشامل
طوق النجاة العالمي الخالد بلا بديل ، وعندما يعلم العليم الحكيم صدق نية الأمة في
الرجوع إليه يأتي الرضى فتنحل العقد وتأتلف القلوب ويأتي الفلاح والنجاح وتتنزل الملائكة
بالنصر
ولا يوجد عقبة أمام تحقيق هذا الأمل الغالي
، فربنا واحد (بيده ملكوت كل شىء وهوعلى كل شىء قدير) ، ورسولنا واحد( رسول الرحمة
والسلام العالمي ) ووحينا جاء بدين القيمة
(طوق النجاة العالمي بلا بديل) وقبلتنا واحدة والعدو واضح ، والعمر قصير والحساب قادم
، وكل الأعمال بمعزل عن الله ((كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً)) ففروا إلى الله قبل فوات الأوان (( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ
نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ
نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)الذاريات ))
وعلي علماء الأمة المخلصين أن يعقدوا
فورا ( مؤتمر البينة ) أو مؤتمر ( طوق النجاة العالمي ) يعلنون فيه – مع الأمة – التوبة
والولاء لله والبراءة ممن سواه ، ووحدة الصف والهدف علي قبلة واحدة تعرفها الأمة ،
وأن يكون للأمة مجلس شوري من خيرة علمائها المحتسبين تعود إليه الأمة في الأمور الخلافية
والخطرة ويكون إجماع علمائه ملزما لكل الأمة
، وأن تسعى الأمة فورا لإنشاء مجلس تعاون أو كومنولث إسلامي ، تتوحد من خلاله
فكريا وتتكامل وتتقوى به حتى تصبح قوة مهابة وذلك يعصمها من كيد أعداء الدين وسطو لصوص
الحضارة العالمية المتربصين بها ، وان يكون للأمة برنامج دعوي تظهر فيه لشباب الأمة
معجزة دينها العالمي وتظهر لعقلاء الكون الأدلة اليقينية على صدق الرسالة وصدق وعالمية
الإسلام وأن فيه وحده طوق النجاة للحضارة البشرية
المهددة بالدمار ، وعلى من لديه البديل للإسلام أن يتقدم به إن كان من الصادقين .
وعندما يعلم الله صدق إقبالنا عليه - وحده لا شريك
له - ويرضى عنا تعتدل كل أمورنا ، ولن نغلب أبدا ولن نذل أبدا ولن نفشل أو نضيع بل
سيسبح معنا الكون كله وتتنزل علينا الملائكة ، ومن ينصر الله ينصره .
الشقيق الحبيب عندما يصلك هذا العمل لا
تتردد في الجهاد به لوجه الله بان تنشره بكل الوسائل ( وهو مبذول في سبيل الله ) وذكر
به باستمرار ، فإن كنت معلما فوصله إلى طلبتك وإن كنت إماما أو داعية فوصله إلى المستمعين
إليك وإن كنت علي ثغر من ثغور الإعلام فوصله إلى جمهورك ، وإن كنت رئيساً لعمل فوصله
لمن تقود ، وعليك ألا تؤجل فالموت يأتي بغتة وسنسأل ، فاجعل ذلك مشروع حياتك حتي تلقى
الله ولك أجر مجاهد ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين .
صحح في أواخر ذو القعدة
1437
الفقير الي الله / د حسين رضوان سليمان
عبيد اللبيدي
استشاري في الطب الباطني
وعضو هيئآت وجمعيات الإعجاز العلمي بمكة
المكرمة والقاهرة وجنوب الوادي
01147122632 وتلفون 01066799019مصر hussan_brain@yahoo.com
مراجع للفائدة والتوسعة
:
1-
دراسات الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (د/ موريس بوكاي ) دار المعارف .
2- خلق الإنسان بين الطب
والقرآن ( د/ محمد على البار ) الدار السعودية للنشر والتوزيع
3- من إشارات العلوم في
القرآن الكريم (عبد العزيز سيد الأهل) المجلس الأعلى للشئون الإسلامية .
4- الإعجاز العلمي في
القرآن ( أ . د/ زغلول راغب محمد النجار).
5- كتاب إظهار الحق (لرحمة
الله الهندي ، كتاب مناظرة بين الإسلام والنصرانية _ نشر وتوزيع الرئاسة العامة
للإدارات والبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالرياض بالمملكة العربية
السعودية وتوزيع أنصار السنة بالقاهرة .
6- اختلافات في تراجم
الكتاب المقدس (لواء/ أحمد عبد الوهاب ) مكتبة التراث الإسلامي .
7- كتب الشيخ أحمد ديدات
وخصوصا كتاب عتاد الجهاد وهو خلاصة خمسين عاماً من البحث عن الحقيقة وهو كتاب هام
توزعه دار الفضيلة .
8- محاضرات في النصرانية
(للإمام/ محمد أبو زهرة ) دار الفكر العربي للنشر .
9- الأسفار المقدسة في
الأديان السابقة للإسلام ( د/ على عبد الواحد وافي) مكتبة نهضة مصر بالفجالة –
القاهرة.
10 –
كتب المناظرات وافلامها على النت بالمجان .
11- التشريع الجنائي
الإسلام مقارناً بالقانون الوضعي (المستشار / عبد القادر عودة) مؤسسة الرسالة
ببيروت وهو كتاب هام جداً .
12- الفقه الإسلامي
والقانون الروماني (للإمام / أبو زهرة ) المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
13- الإسلام والأمن الدولي
( أ/ محمد عبد الله السمان ) دار الكتاب العربي .
14- الإسلام كبديل (د/
مراد هوفمان) سفير ألمانيا بالرياض والمتحدث الإعلامي لمنظمة حلف شمال الأطلنطي – مؤسسة
بافاريا للنشر الإعلامي مجلة النور الكويتية .
15- مبادئ الإسلام
الدستورية في نواحي الحياة (محمد معروف الدواليبي)المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
بالقاهرة سنة 1961 م .
16- الشريعة الإسلامية
(للإمام / محمد أبو زهرة ) دار الفاروق للطباعة والنشر وهو كتاب هام جداً
17- تحريم الربا تنظيم
اقتصادي (للإمام / محمد أبو زهرة) الدار السعودية للنشر والتوزيع
18- الاقتصاد في القرآن
والسنة (د/ عيسى عبده) دار المعارف .
19- الإسلام بين الشرق
والغرب (علي عزت بيجو فيتش) رئيس البوسنة والهرسك – مؤسسة بافاريا مجلة النور
الكويتية .
20- الإسلام وحقوق الإنسان
(د/ محمد عمارة) سلسلة عالم المعرفة الكويتية .
21- الإسلام والأمن الدولي
(د/ محمد عبد الله السمان) دار الكتاب العربي .
22- نظام الحكم والإدارة
في الدولة الإسلامية (دراسة مقارنة) المستشار/ عمر الشريف – معهد الدراسات
الإسلامية – دار الاتحاد العربي للطباعة .
23- كتب مقارنة الأديان
(د/ شلبي ) مكتبة النهضة المصرية
وهناك موسوعة للمؤلف تحت مسمى : حصاد ثلاثون
عاما من الدعوة والإعجاز العلمي يمكن ان تغنيك عن مئات المراجع وتوفر عليك جهد
عشرات السنين وهي (تحت الطبع) فأحرص عليها .
الغلاف الأخير
هدية محب في الله
أخي
في الإنسانية والله اني أحبك في الله والدليل على ذلك أني أهديك خلاصة عمر وفكر
وانها لهدية لا تقدر بثمن لأنها تهدي إلى جنة الخلد وملك لا يبلى ، وفي تلك الهدية
عدة مفاجآت علمية ، وكشف لسر قضية العلاقة الوجودية بين الخالق والمخلوق ( المعية
) التي حيرت البرية سنين طويلة ، فلا تؤجل دراسة ذلك الكتاب صغير الحجم عظيم القدر
، وعندما تدرس ما في ذلك الكتاب وتستفيد منه فلا تتردد في تفعيله بأستمرار بكل
الطرق ومختلف الوسائل ليصل إلى قادة الأمة ورموزها وليصل إلى الملايين من أخوتك في
الإنسانية ، فلا تتردد أو تؤجل فالأعمار قصيرة ، ولك أجر مجاهد ان شاء الله .
ولا
تنسانا بالدعاء أن يغفر الله لنا ويعفوا عنا ويرحمنا ويجمعنا مع الأحبة محمدا
وصحبه.
ولا
حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين .
يوضع حول
هذا الأهداء اطار من القلوب والذهور
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)